top of page

الوقاية من التطرف العنيف

منذ نهاية القرن العشرين، نشهد فترة تحول كبير. اذ انتقلنا إلى عالم أكثر اختلاطاً بالآخرين، تحسنت بعض جوانب نوعية الحياة، الا اننا فعليا في سياق أزمات عالمية متعددة، وهناك طرق متنوعة للاستجابة للأحداث، من بينها ظهور الحركات "التطرف العنيف". لكن  المجتمع المدني يمثل الفاعل الأكثر الشرعية والذي لديه والقوة والقدرات لتعزيز صمود المجتمع أمام الرسالة المتطرفة العنيفة،

إننا نفهم التطرف العنيف باعتباره الأيديولوجيات التي تطمح إلى السيطرة على السلطة السياسية باستخدام أساليب عنيفة بدلاً من الإقناع. تستند الإيديولوجيات المتطرفة العنيفة إلى القيم الشمولية والمتعصبة وغير المتسامحة والأبوية والمناهضة للديموقراطية وللتعددية. قد تُستخدم الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة من قِبل الأفراد أو الجماعات أو الشركات أو الدول.
ان الظروف التي تبعت الاحتلال العسكري للعراق عام ٢٠٠٣ وما تلاها من بناء لنموذج مشوه من النظام، اعتمدت فيه التمييز بين العراقيين بناءاً على قومياتهم واديانهم وطوائفهم، والذي اسس لاستقطاب سياسي يعتمد على بث خطاب الكراهية بين العراقيين بناءا على تلك الهويات، وادخال المجتمع بأكمله في دوامة احتراب سياسي - مجتمعي، الذي انتقل في لحظات عديدة منه إلى العنف المباشر.
لقد تسبب بناء النظام السياسي على هذه الشاكل بالعديد من الازمات، اذ استشراء الفساد الإداري والمالي، وانهار الاقتصاد والمعيشي للسكان بسبب سوء الإدارة، والذي ترافق مع سياسات خصخصة بعض القطاعات العامة وتقليل الدعم الاجتماعي عن الفئات الاجتماعية المحرومة، وغيرها من الممارسات الأخرى. لذلك دفعت تلك الظروف المجتمع العراقي لردود فعل متعددة متباينة، تمثلت ردين أساسيين، هما: الأول، كان في ظهور العديد من الحركات المتطرفة العنيفة، حيث كان للتطرف العنيف في العراق تأثير كبير في مجريات الاحداث في البلاد، اذ ظهرت تنظيمات متطرفة متعددة مارست العنف المسلح بشكل كبير كرد فعل على حالة اللاعدالة والتمييز، وخضعت عدد من المدن العراقية في عديد من الأوقات لسيطرة تلك التنظيمات، وعاش الناس في ظلها تحت رحمة احكام متشددة وعنيفة. الثاني، وعلى النقيض من سابقه كان رد فعل إيجابي، تمثل في الحراك الاجتماعي في العراق، النموذج الذي تعددت وتنوعت اشكاله واساليبه، انطلاقاً من الحراك اليومي للمجتمع المدني وسعيه الى تثبيت العدالة ومبادئ حقوق الانسان، مروراً بحملات المدافعة والتعبئة لتغيير السياسات العامة، وانتهاءاً بالاحتجاجات التي تطالب بتغيير الشامل للأوضاع وبناء واقع اخر مختلف والتي كان اخرها الاحتجاجات الاجتماعية التي انطلقت في أكتوبر ٢٠١٩ الماضي والمستمرة لغاية الان. لذلك نحن نعتبر ان هذا الحراك الاجتماعي يمثل النقيض الإيجابي من الظروف السيئة التي خلفها نظام المحاصصة الاثنية - الطائفية، والنقيض الإيجابي من التطرف العنيف، عبر عمله لاستعادة العدالة والمساواة والكرامة للعراقيين.
سياقات التعامل مع التطرف العنيف
على مدى سنوات، سعت حكومتنا في العراق، كما هي حكومات الكثير من دول العالم، إلى التصدي للتطرف العنيف في سياق تدابير مكافحة الإرهاب فقط! نحن نرى أن هذه الاستراتيجيات التي تركز فقط على مكافحة الإرهاب غير قادرة على تجفيف المنابع العاطفية والاجتماعية للتطرف العنيف وإدارة العوامل التي تؤدي للتطرف والعنف، بل يمكن أن تجعل الأمور أكثر سوءا، وكما لاحظنا ان استخداما مكثفا للقوة العسكرية واعتماد ترسانة قانونية قمعية باسم مكافحة الإرهاب لم تكن هذه الأساليب عقيمة فحسب، بل هي أيضا مسؤولة عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وزيادة المعاناة الإنسانية، والتي ينتج عنها تقييد لحرياتنا الأساسية وحقوقنا المدنية والسياسية، وهذا فعليا ما حدث في الكثير من المناطق المحررة من قبضة "داعش" في العراق.
ان الحاجة الموضوعية الى اتباع نهج جديد اكثر فعالية وشمولية حيال تصاعد التطرف العنيف، ضرورية للغاية في الوقت الراهن، نظراً لاحتمالية صناعة تنظيمات متطرفة جديدة ستكون فاعلة في المستقبل لتقويض الامن والسلم الأهلي. ويهدف هذا النهج إلى تسخير مثالية وأمل وإبداع وطاقة المجتمع المدني في العراق والحراك الاجتماعي من أجل تطوير منهج عملي أكثر شمولية لتحديد الاستراتيجيات التنظيمية والوقائية التي تعالج أسباب ودوافع التطرف العنيف بصورة مباشرة.
أن وجود التطرف العنيف إساءة لقيم المجتمع المدني الملتزمة بالحفاظ على السلام الإيجابي وتعزيز الديمقراطيات الحقيقية والأمن البشري والتنمية المستدامة وحماية حقوق الإنسان. اذ يعمل التطرف العنيف على تقويض إنسانيتنا. فالحركات المتطرفة تشوه بشكل همجي وتستغل المعتقدات الدينية والاختلافات العرقية والأيديولوجيات السياسية لكسب السلطة السياسية والعمل ضد حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وتكتسب الحركات المتعصبة التي تنشر أيديولوجيات عنصرية وقومية متطرفة ويمينية للغاية زخما وتمثيلا مؤسساتيا، بالأخص في مجتمعات بلدان الجنوب، حيث كانت تلك المجتمعات الأكثر نفاذية وعرضه لظهور الجماعات المتطرفة العنيفة والأكثر تضرراً منها ايضاً، وهذا ليس نتيجة لإرادة مجتمعية تريد انتاج التطرف العنيف، وانما نتيجة لما تعيشها تلك المجتمعات من شروط اجتماعية سيئة، كانت السبب الرئيسي لظهور تلك الجماعات، كنوع من رد الفعل المجتمعي تجاه ذلك.

دور المجتمع المدني والحراك الاجتماعي في الوقاية من التطرف العنيف
يمثل المجتمع المدني والحراك الاجتماعي موردا غير مستغل بشكلٍ كافٍ للتصدي لأشكال التطرف العنيف. هذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الذي تبنى استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وأعربت عنه ايضاً جهات دولية اخرى كمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أو الاتحاد الأفريقي، أو جامعة الدول العربية، أو منظمة التعاون الإسلامي، أو الاتحاد الأوروبي في العديد من المناسبات. حيث يستطيع المجتمع المدني ان يقدم رؤية إيجابية وغير عنيفة لمستقبلنا، والتي يمكنها أن تخلق رسالة بديلة فعالة أمام الأصوات والجماعات التي تروج للعنف.
المجتمع المدني الفاعل الرئيسي الذي لديه الشرعية والقوة والقدرات لتعزيز صمود المجتمع امام الرسالة المتطرفة العنيفة، عبر إيجاد تسوية سياسية مشتركة للصراعات وتعزيز حقوق الإنسان والتسامح بوصفهما عنصرين أساسيين في الوقاية من التطرف العنيف. حيث ان لدى المجتمع المدني له قدرة مؤكدة على التعبئة الواسعة للوقاية من التطرف العنيف، عبر حشد النشطاء والوكلاء الاجتماعيون، والمنظمات السياسية والاجتماعية الذين يرغبون في الخوض في الموضوع وتطوير خطط العمل في مجال "الوقاية من التطرف العنيف" في مجتمعاتهم ومدنهم وبلدانهم.
نحن على اقتناع بأن خلق فرصة للمجتمع المدني من اجل التدخل للوقاية من التطرف العنيف، سيساهم ليس في حماية مستقبلنا الإنساني من إمكانية وجود تنظيمات متطرفة تهدد السلم الاهلي، وانما إعادة ترميم تلك المجتمعات لتكون مفتوحة ومتماسكة اجتماعيا وقائمة على التعددية والاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وهذا يمثل البديل العملي الهادف ضد التطرف العنيف، ويعتبر الاستراتيجية الأكثر تبشيرا بالخير لجعله مفهوم غير جذاب.
ان المجتمع المدني العراقي، استطاع في نوفمبر ٢٠١٨ خلال اعمال المنتدى الاجتماعي العراقي – بموسمه الخامس من تشكيل المنصة العراقية للوقاية من التطرف العنيف، والتي انضم اليها عدد من منظمات المجتمع المدني والفرق التطوعية والنشطاء المستقلين، من بينها منظمة رياضة ضد العنف. لقد نشطت المنصة بشكل لا مركزي، شبكي في تنفيذ حملات ومشاريع من ركزت بشكل أساسي على بناء خطة للمجتمع المدني للوقاية من التطرف العنيف، وايضاً تحفيز المقاومة الاجتماعية في عدد من المدن العراقي، بما في ذلك إقليم كوردستان، عبر حملات نفذها شباب من هذه المدن استهدفت الوقاية من التطرف العنيف.

Project Numbers

Project Gallery

bottom of page